فصل: تفسير الآيات (1- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة الانفطار:

.تفسير الآيات (1- 12):

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
هذه أوصاف يوم القيامة، وانفطار السماء: تشققها على غير نظام مقصود إنما هو انشقاق لتزول بنيتها وانتثار الكواكب سقوطها من مواضعها التي هي فيها كنظام، وتفجير البحار: يحتمل أن يكون من امتلائها فتفجر من أعاليها وتفيض على ما وليها، ويحتمل أن يكون تفجير تفريع، ويحتمل أن يكون فيضانها، فيذهب الله ماءها حيث شاء، وقيل: فجر بعضها إلى بعض فاختلط العذب بالملح وصارت واحداً، وهذا نحو الاختلاف في {سجرت} [التكوير: 6] في السورة التي قبل، وقرأ مجاهد والربيع بن خيثم: {فجِرت} بتخفيف الجيم، وبعثرة القبور: نبشها عن الموتى الذين فيها، وقوله تعالى: {علمت نفس} هو جواب {إذا}، و{نفس} هنا اسم الجنس وإفرادها لتبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها إلا من رحم الله تعالى، وقال كثير من المفسرين في معنى قوله تعالى: {ما قدمت وأخرت} إنها عبارة عن جميع الأعمال لأن هذا التقسيم يعم الطاعات المعمولة والمتروكة وكذلك المعاصي. وقال ابن عباس والقرظي محمد بن كعب: {ما قدمت} في حياتها وما {أخرت} مما سنته فعمل به بعد موتها، ثم خاطب تعالى جنس ابن آدم على جهة التوبيخ والتنبيه على أي شيء أوجب أن يغتر بربه الكريم فيعصيه ويجعل له نداً وغير ذلك من أنواع الكفر وهو الخالق الموجد بعد العدم، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {جهله} وقاله عمر وقرأ {انه كان ظلوماً جهولاً} [الأحزاب: 72]، وقال قتادة: عدوه المسلط عليه، وقال بعض العلماء: غره ستر الله عليه، وقال غيره: غره كرم الله، ولفظة الكريم تلقن هذا الجواب، فهذا من لطف الله تعالى لعباده العصاة من المؤمنين، وقرأ ابن جبير والأعمش: {ما أغرك} على وزن أفعلك، والمعنى ما عاك إلى الاغترار أن يكون المعنى تعجباً محضاً، وقرأ الجمهور: {فعدّلك} بتشديد الدال، وكان صلى الله عليه وسلم: إذا نظر إلى الهلال، وقال: «آمنت بالذي خلقك فسواك فعدلك» لم يختلف الرواة في شد الدال، وقرأ الكوفيون والحسن وأبو جعفر وطلحة والأعمش وأبو رجاء وعيسى بن عبيد: {فعدَلك} بتخفيف الدال، والمعنى عدل أعضاءك بعضها ببعض أي وازن بينهما، وقوله تعالى: {في أي صورة ما شاء ركبك}، ذهب الجمهور إلى أن {في} متعلقة ب {ركبك}، أي في قبيحة أو حسنة أو مشوهة أو سليمة ونحو هذا، وذهب بعض المتأولين أن المعنى {فعدلك} {في أي صورة}: بمعنى إلى أي صورة حتى قال بعضهم: لم يجعلك في صورة خنزير ولا حمار، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى: الوعيد والتهديد، أي الذي إن شاء ركبك في صورة حمار أو خنزير أو غيره، و{ما} في قوله: {ما شاء}، زائدة فيها معنى التأكيد، والتركيب والتأليف وجمع الشيء إلى شيء، وروى خارجة عن نافع: {ركبك كلا} بإدغام الكاف في الكاف، ثم رد على سائر أقوالهم ورد عنها بقوله: {كلا}، ثم أثبت لهم تكذيبهم بالدين، وهذا الخطاب عام ومعناه الخصوص في الكفار، وقرأ جمهور الناس: {تكذبون} بالتاء من فوق، وقرأ الحسن وأبو جعفر: {يكذبون} بالياء، و{الدين} هنا يحتمل أن يريد الشرع، ويحتمل أن يريد الجزاء والحساب.
والحافظون: هم الملائكة الذين يكتبون أعمال ابن آدم، وقد وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام. و{يعلمون} ما يفعل ابن آدم لمشاهدتهم حاله، وقد روي حديث ذكره سفيان: يقتضي أن العبد إذا عمل سيئة مما لا ترى ولا تسمع، مثل الخواطر المستصحبة ونحوها أن الملك يجد ريح تلك الخطرة الخفية بإدراك قد خلقه الله لهم.

.تفسير الآيات (13- 19):

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
{الأبرار}: جمع بر وهو الذي قد اطرد بره عموماً فيرونه في طاعته إياه، وبر أبويه وبر الناس في دفع ضره عنهم وجلب ما استطاع الخير إليهم، وبر الحيوان وغير ذلك في أن لم يفسد شيئاً منها عبثاً ولغير منفعة مباحة، و{الفجار}: الكفار، ويصلون معناه: يباشرون حرّها بأبدانهم، و{يوم الدين} هو يوم الجزاء، وقوله تعالى: {وما هم عنها بغائبين} قال بعض المتأولين: هذا تأكد في الإخبار عن أنهم يصلونها، وأنهم لا يمكنهم الغيب عنها يومئذ، وقال آخرون: {وما هم عنها بغائبين} في البرزخ، كأنه تعالى لما أخبر عن صليهم إياها يوم الدين وذلك أنهم يرون مقاعدهم من النار عدوة وعشية فهم مشاهدون لها، ثم عظم تعالى قدر هول يوم القيامة بقوله: {وما أدراك ما يوم الدين، ثم ما أدراك} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب: {يومُ لا تملك} برفع الميم من {يومُ} على معنى هو يوم، وقرأ الباقون والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج: {يومَ} بالنصب على الظرف، والمعنى: الجزاء يوم فهو ظرف في معنى خبر الابتداء، ثم أخبر تعالى بضعف الناس يومئذ وأنه لا يغني بعضهم عن بعض وأن الأمر له تبارك وتعالى، وقال قتادة كذلك: هو اليوم ولكنه هنالك لا ينازعه أحد ولا يمكن هو أحداً في شيء منه كما يمكنه في الدنيا.

.سورة المطففين:

.تفسير الآيات (1- 6):

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}
{ويل} معناه: الثبور والحزن والشقاء الأدوم، وقد روي عن ابن مسعود وغيره أن وادياً في جهنم يسمى ويلاً ورفع {ويل} على الابتداء، ورفع على معنى ثبت لهم واستقر وما كان في حيز الدعاء والترقب فهو منصوب نحو قولهم: رعياً وسقياً، والمطفف: الذي ينقص الناس حقوقهم، والتطفيف: النقصان أصله في الشيء الطفيف وهو النزر، والمطفف إنما يأخذ بالميزان شيئاً طفيفاً، وقال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين، وقال بعض العلماء: يدخل التطفيف في كل قول وعمل، ومنه قول عمر طففت، ومعناه: نقصت الأجر والعمل وكذا قال مالك رحمه الله: يقال لكل شيء وفاء وتطفيف فقد جاء بالنقيضين، وقد ذهب بعض الناس إلى أن التطفيف هو تجاوز الحد في وفاء ونقصان، والمعنى والقرائن بحسب قول قول تبين المراد وهذا عند جد صحيح، وقد بين تعالى أن التطفيف إنما أراد به أمر الوزن والكيل، و{اكتالوا على الناس} معناه: قبضوا منهم و{كالوهم} معناه: قبضوهم، يقال: كلت منك واكتلت عليك، ويقال: وكلت لك فلما حذفت اللام تعدى الفعل، قال الفراء والأخفش.
وأنشد أبو زيد: [الكامل]
ولقد جنتك أكمؤاً وعساقلاً ** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

وعلى هذا المعنى هي قراءة الجمهور، وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين ويقف على {كالوا} و{وزنوا} بمعنى: هم يخسرون إذا كالوا ووزنوا. ورويت عن حمزة، فقوله: هم تأكيد للضمير، وظاهر هذه الآية يقتضي أن الكيل والوزن على البائع وليس ذلك بالجلي، وصدر الآية هو في المشترين، فذمهم بأنهم {يستوفون} ويشاحون في ذلك، إذ لا تمكنهم الزيادة على الاستيفاء لأن البائع يحفظ نفسه، فهذا مبلغ قدرتهم في ترك الفضيلة والسماحة المندوب إليها، ثم ذكر أنه إذا باعوا أمكنهم من الظلم والتطفيف أن يخسروا لأنهم يتولون الكيل للمشتري منهم وذلك بحالة من يخسر البائع إن قدر، و{يخسرون} معدى بالهمزة يقال: خسر الرجل وأخسره غيره، والمفعول ل {كالوهم} محذوف، ثم وقفهم تعالى على أمر القيامة وذكرهم بها وهذا مما يؤيد أنها نزلت بالمدينة في قوم من المؤمنين وأريد بها مع ذلك من غبر من الأمة، و{يظن} هنا بمعنى: يعلم ويتحقق، واليوم العظيم: يوم القيامة، و{يوم} ظرف عمل فيه فعل مقدر يبعثون ونحوه، وقال الفراء: هو بدل من {ليوم عظيم}، لكنه بني ويأبى ذلك البصريون، لأنه مضاف إلى معرب، وقام الناس فيه {لرب العالمين} يختلف الناس فيه بحسب منازلهم، فروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقام فيه خمسين ألف سنة». وهذا بتقدير شدته، وقيل: ثلاثمائة سنة، قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عمر: مائة سنة وقيل ثمانون سنة، وقال ابن مسعود أربعون سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يؤمرون ولا يكلمون، وقيل غير هذا، ومن هذا كله آثار مروية ومعناها: إن لكل قوم مدة ما تقتضي حالهم وشدة أمرهم ذلك، وروي أن القيام فيه على المؤمن على قدر ما بين الظهر إلى العصر، وروي عن بعض الناس: على قدر صلاة، وفي هذا القيام هو إلجام العرق للناس، وهو أيضاً مختلف، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عقبة بن عامر: «أنه يلجم الكافر إلجاماً» ويروى أن بعض الناس يكون فيه إلى أنصاف ساقيه وبعضهم إلى فوق، وبعضهم إلى أسفل.

.تفسير الآيات (7- 17):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}
هذه الآية وما بعدها بظهر أنها من نمط المكي، وهذا أحد الأقوال التي ذكرناها قبل، و{كلاّ} يجوز أن يكون ردّاً لأقوال قريش، ويحتمل أن يكون استفتاحاً بمنزلة ألا، وهذا قول أبي حاتم واختياره، و{الفجار} الكفار، وكتابهم يراد فيه الذي فيه تحصيل أمرهم وأفعالهم، ويحتمل عندي أن يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين، أي هنالك كتبوا في الأزل، وقرأ أبو عمرو والأعرج وعيسى: {الفجار} بالإمالة و{الأبرار} [المطففين: 18] بالفتح قاله أبو حاتم، واختلف الناس في: {سجّين} ما هو؟ فقال الجمهور: هو فعيل من السجن كسكير وشريب أي في موضع ساجن، فجاء بناء مبالغة، قال مجاهد: وذلك في صخرة تحت الأرض السابعة، وقال كعب حاكياً عن التوراة وأبيّ بن كعب: هو في شجرة سوداء هنالك، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: في بر: هنالك وقيل تحت خد إبليس، وقال عطاء الخرساني: هي الأرض السفلى، وقاله البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال عكرمة: {سجين}، عبارة عن الخسران والهوان، كما نقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول، وقال قوم من اللغويين: {سجين}، عبارة عن الخسران والهوان، كما نقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول، وقال قوم من اللغويين: {سجين} نونه بدل من لام هو بدل من السجيل وقوله تعالى: {وما أدراك ما سجين} تعظيم لأمر هذا السجين وتعجب منه، ويحتمل أن يكون تقرير استفهام، أي هذا مما لم يكن يعرفه قبل الوحي. وقوله تعالى: {كتاب مرقوم} من قال بالقول الأول في {سجين} ف {كتاب} مرتفع عنده على خبر {إن}، والظرف الذي هو: {لفي سجين} ملغى، ومن قال في {سجين} بالقول الثاني ف {كتاب} مرتفع على خبر ابتداء مضمر، والتقدير هو كتاب مرقوم، ويكون هذا الكلام مفسر في السجين ما هو؟ و{مرقوم} معناه: مكتوب، رقم لهم بشر، ثم أثبته تعالى {للمكذبين} بيوم الحساب والدين بالويل، وقوله: {يومئذ}، إشارة إلى ما يتضمنه المعنى في قوله: {كتاب مرقوم} وذلك أنه يتضمن أنه يرتفع ليوم عرض وجزاء، وبهذا يتم الوعيد ويتجه معناه والمعتدي: الذي يتجاوز حدود الأشياء، والأثيم: بناء مبالغة في آثم، وقرأ الجمهور: {تتلى}، بالتاء، وقرأ أبو حيوة: {يتلى}، بالياء من تحت، والأساطير: جمع أسطورة وهي الحكايات التي سطرت قديماً، قيل هو جمع: أسطار، وأسطار: جمع سطر، ويروى أن هذه الآية نزلت بمكة في النضر بن الحارث بن كلدة وهو الذي كان يقول: {أساطير الأولين}، وكان هو قد كتب بالحيرة أحاديث رستم واسبنذباذ، وكان يحدث بها أهل مكة، ويقول أنا أحسن حديثاً من محمد، فإنما يحدثكم ب {أساطير الاولين}، وقوله تعالى: {كلا} زجر ورد لقولهم: {أساطير الأولين}، ثم أوجب أن ما كسبوا من الكفر والطغيان، والعتو، قد {ران على قلوبهم}، أي غطى عليها وغلب فهم مع ذلك لا يبصرون رشداً ولا يخلص إلى قلوبهم خير، ويقال: رانت الخمر على عقل شاربها وران الغش على قلب المريض، وكذلك الموت، ومنه قول الشاعر: [الخفيف]
ثم لما رآه رانت به الخمر وإن لا يرينه باتقاء

والبيت لأبي زيد، وقال الحسن وقتادة: الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب، ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل إذا أذنب صارت نقطة سوداء على قلبه ثم كذلك حتى يتغطى» فذلك الرين الذي قال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {بل ران} بإدغام في الراء، وقرأ نافع: {بل ران} غير مدغمة، وقرأ عاصم: {بل} ويقف ثم بيتدئ {ران}، وقرأ حمزة والكسائي: الإدغام وبالإمالة في {ران}، وقرأ نافع أيضاً: بالإدغام، والإمالة، قال أبو حاتم: القراءة بالفتح والإدغام، وعلق اللوم بهم فيما كسبوه وإن كان ذلك يخلق منه واختراع لأن الثواب والعقاب متعلق بكسب العبد، و{كلا} في قوله تعالى: {كلا إنهم على ربهم} يصلح فيها الوجهان اللذان تقدم ذكرهما، والضمير في قوله: {إنهم عن ربهم} هو للكفار، قال بالرؤية وهو قوله أهل السنة، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص، وقال الشافعي: لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى، ومن قال بأن لا رؤية وهو قول المعتزلة، قال في هذه الآية: إنهم محجوبون عن رحمة ربهم وغفرانه، وصلي الجحيم مباشرة حر النار دون حائل، وقوله تعالى: {ثم يقال هذا الذي}، على معنى التوبيخ لهم والتقريع، وقوله تعالى: {هذا الذي كنتم به تكذبون}، مفعول لم يسم فاعله لأنه قول بني له الفعل الذي يقال، وقوله: {هذا} إشارة إلى تعذيبهم وكونهم في الجحيم.